الحالة الطائفية والعنصرية في سوريا
تقرير شهر كانون الثاني/يناير 2024
الملخص التنفيذي:
يعتمد هذا التقرير على تتبع ما يزيد عن 50 مصدراً مختلفاً معنياً بالشأن السوري باللغة العربية لغاية جمع الأخبار والبحث والاستقصاء. تتنوع هذه المصادر ما بين منظمات حقوقية ومراكز دراسات ووكالات أنباء وحسابات نشطاء في منصات التواصل العربية. وعليه فقد تم توثيق عدد كبير من المعلومات الواردة من هذه المصادر في الفترة الزمنية الممتدة من 7/1/2024 إلى 31/1/2024 ليتم إنشاء ما محصلته 80 قيداً يختص كل قيدٍ منها بتوثيق حدثٍ أو خبرٍ معينٍ تم رصده من أحد المصادر سابقة الذكر دون النظر إلى عامل التكرار، لذا قد يُكرَّس عدد من القيود لتوثيق نفس الحدث أو الخبر ولكن من مصادر مختلفة بغية التوثق من صحة ما يُنقَل وزيادة المعلومات المتعلقة به.
بلغ عدد القيود التي تحمل اتجاهاً تمييزياً 53 قيدًا أي ما يعادل 66.25% من إجمالي القيود، في حين بلغ عدد القيود التي صُنفت على أنها تحمل اتجاهاً ضد التمييز 3 قيود أي ما يعادل 3.75 % من إجمالي القيود، أما القيود التي لم تعرف خلفية اتجاهها لأسباب ستُذكر لاحقاً فقد بلغ عددها 24 قيداً أي ما يعادل 30 % من إجمالي القيود.
تابع مرصد الطائفية والعنصرية خلال شهر كانون الثاني/يناير 2024 الحالة الطائفية في سوريا، وذلك من خلال رصد وتتبع مجموعة واسعة من الأخبار ذات الصلة بالتمييز أو ضد التمييز في مختلف المصادر المفتوحة من منصات إعلامية ووكالات أنباء وحسابات منظمات حقوقية ومراكز دراسات وحسابات ناشطين في منصات التواصل الاجتماعي.
يشير التقرير بعد توثيق البيانات المرصودة واستقرائها إلى حضور لافت لثلاث قضايا رئيسية وهي كالتالي:
تتمثل القضية الأولى بنشاط إيراني واسع على الصعيد الثقافي والديني توافق مع استمرار في التوسع العسكري والاقتصادي في سوريا.
تحمل العلاقة بين النشاطات الثقافية والدينية والعسكرية لإيران في سوريا تأثيرًا كبيرًا على الساحة السياسية والاجتماعية في هذا البلد. من جهة فان هذا النشاط يسهم بتعزيز تواجدها ونفوذها في سوريا سياسيًا، حيث تؤدي إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتعزيز الولاء لإيران في صفوف بعض الفئات السورية. هذا يمكن أن يؤدي إلى تعقيد السيناريوهات السياسية وزيادة التوترات مع الدول الأخرى التي تتخذ مواقف مختلفة. ومن جهة أخرى، فيؤثر النشاط الإيراني على الساحة الاجتماعية في سوريا من خلال تعزيز الهويات الدينية والثقافية المرتبطة بإيران، مما قد يزيد من الانقسامات والتوترات بين الطوائف والمجموعات السورية المختلفة. أما من الناحية الثالثة فمكن أن يؤدي النشاط الإيراني في سوريا إلى تغييرات ديموغرافية ملموسة من خلال جذب المزيد من الطلاب والسياح والمقيمين الإيرانيين إلى البلاد، مما قد يؤدي إلى تغييرات في التوزيع الديموغرافي لبعض المناطق. كما قد يزيد النشاط الإيراني من اندماج الفئات المؤيدة لإيران في المجتمع السوري وتعزيز الهوية الإيرانية لدى بعضهم، مما يعقد المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد. بشكل عام، تُعد الأنشطة الثقافية والدينية والعسكرية لإيران في سوريا جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها لتعزيز تأثيرها في المنطقة، وتترك تأثيرات متعددة على الساحة السياسية والاجتماعية والديموغرافية والهوية الوطنية في البلاد.
تسلط المصادر المرصودة الضوء على استمرار النشاط الحكومي الإيراني بشكل أكبر ممّا كان عليه في شهر كانون الأول الماضي من خلال مؤسسات التعليم العالي الحكومية، بالتوازي مع استمرار النشاط الإيراني غير الرسمي عبر المؤسسات الثقافية والدينية والمجموعات العسكرية التابعة لها في المدن سورية المختلفة مثل دمشق وحلب وحمص ودير الزور واللاذقية، حيث تجلى ذلك من خلال رصد زيارة وفود أكاديمية من جامعات إيرانية مختلفة إلى بعض الجامعات السورية الحكومية في دمشق وحلب واللاذقية بهدف توقيع مذكرات تعاون. كما يرصد التقرير، تعاوناً بين مؤسسات ثقافية وتعليمية تتبع للحرس الثوري الإيراني ومدارس إعدادية وثانوية مختلفة في دمشق بهدف القيام بأنشطة ثقافية ودينية تستهدف شرائح الأطفال. ترافق ذلك مع استمرار تقديم دورات دينية وتثقيفية لتعليم المذهب الشيعي واللغة الفارسية موجهة للأفراد العسكريين في الجيش السوري والمتطوعين المحليين مع الحرس الثوري الإيراني، فضلاً عن إقامة نشاطات أخرى تعليمية وترفيهية تستهدف شريحتي النساء والشباب بشكل خاص يُعتقد أن الهدف منها كسب ولاء شرائح واسعة من المجتمع السوري للوجود الإيراني ومشروعه في سوريا. وقد رصد التقرير ممارسات ذات طابع تمييزي لمجموعات أجنبية من الطائفة الشيعية دخلت سوريا بتسهيل من النظام السوري والمجموعات الإيرانية المقاتلة في سوريا بهدف السياحة الدينية أو “الحج” كما تسميه هذه المجموعات. وقد تجلت هذه الممارسات من خلال ترديد شعارات طائفية ضد أهل السنة، وإهانة رموزهم الدينية مثل الاعتداء على ضريح الصحابي معاوية بن أبي سفيان في مدينة دمشق، بالإضافة إلى ترديد شعارات الثأر لأهل البيت في استفزاز واضح للمكون السني في سوريا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يرصد التقرير نشاطا إيرانيا ملفتا يهدف إلى توسيع النفوذ الاقتصادي الإيراني في سوريا من خلال استملاك الأراضي والعقارات في دير الزور وافتتاح المراكز التجارية الإيرانية في الأسواق السورية، وإغراق تلك الأسواق بالبضائع الإيرانية. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه إلى الاستحواذ على المنتجات السورية ذات الجودة العالية بطرق غير شرعية منها التهريب إلى العراق بواسطة الجماعات الموالية لإيران. وعلى الصعيد العسكري، لاحظ المرصد استمرار النشاط الإيراني في سوريا من خلال إرسال دفعات من الأسلحة إلى المجموعات الإيرانية في سوريا وإدخالها من مدينة دير الزور بطرق غير رسمية مثل إدخال شحنات أسلحة مع قوافل الزوار الشيعة القادمين من العراق إلى سوريا. وتابع المرصد قيام الحرس الثوري الإيراني بافتتاح أبواب الانتساب إليه في دمشق حيث جند عشرات الشباب اليافعين السوريين في صفوفه مقابل إغراءات مادية. ويُلاحظ الارتباط الوثيق بين المجموعات العسكرية الإيرانية والأنشطة الثقافية والدينية الإيرانية في سويا، حيث يجدر الذكر أن جميع الأنشطة الإيرانية بمختلف الأصعدة الثقافية والدينية والعسكري والاقتصادية ترتبط بشكل أو بآخر بالحرس الثوري الإيراني.
تتمثل القضية الثانية في ارتكاب النظام السوري لعدد من الممارسات التمييزية تجاه الأحياء المعارضة والمكون الفلسطيني السوري في مناطق سيطرته. يتسبب التمييز الذي يمارسه النظام السوري في مناطق سيطرته في تفاقم الانقسامات الاجتماعية ويؤثر سلبًا على الاستقرار والتعايش في المناطق المتأثرة، ويمكن تحليل هذا التأثير من خلال مقارنته مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث انه من المهم ملاحظة أن هذه الممارسات تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان المتمثلة في المساواة والعدالة وحقوق الإنسان الأساسية. وتتطلب الحاجة إلى إصلاحات جذرية تضمن حقوق جميع السكان بغض النظر عن العرق أو الطائفة أو الانتماء السياسي. تحقيق العدالة وتعزيز التسامح والتعايش السلمي يمكن أن يساهم في بناء مجتمع سوري مستقر ومزدهر يعمل على تحقيق تطلعات الجميع:
يمارس النظام السوري التهميش والتضييق السكني، حيث يتبع النظام السوري سياسة تمييزية تجاه بعض الأحياء والمجموعات السكانية، مما يؤدي إلى تهميشها وتقييدها في حقوق السكن. تمثل حملات هدم المباني ومنع العودة إلى المنازل المتضررة بسبب المعارضة للنظام أمثلة على هذا التمييز. تعتبر هذه الممارسات انتهاكًا لحقوق الإنسان ومبادئ التضامن والعدالة الاجتماعية وتعمل على تفاقم التوترات والانقسامات في المجتمع. كما يمارس التمييز القانوني، حيث يمارس النظام السوري تمييزًا قانونيًا ضد المكون الفلسطيني في سوريا من خلال سياسات تحرمهم من حقوق العقار والتملك. يعتبر هذا التمييز خرقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين ويساهم في إلحاق الأذى بالفلسطينيين وإحداث الانقسامات بين السكان. ويقوم النظام باستخدام العنف والترهيب، حيث يلجأ النظام السوري إلى استخدام القمع والتهديد لمنع عودة السكان المهجرين إلى منازلهم، مما يخلق بيئة من الخوف والترهيب. تعتبر هذه الممارسات انتهاكًا لحقوق الإنسان وتعيق عمليات إعادة الإعمار وتعزز الانقسامات الاجتماعية. ويعمد النظام السوري إلى تعزيز الانقسامات الطائفية، حيث يتسبب التمييز في تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية في المجتمع السوري، مما يعيق عملية التعايش السلمي ويزيد من الاحتقان والصراعات.
فقد رصد التقرير تعرض سكان بعض الأحياء المعروفة بمعارضتها لنظام الحكم السوري في مدينة حمص مثل حي الخالدية وحي جورة الشياح وحي عشيرة إلى عدد من الممارسات الإقصائية والتهميشية من قبل النظام السوري، والتي من شأنها أن تكرس حالة اللجوء والتهجير التي تعرض لها سكانها. تجلت هذه الممارسات من خلال إقرار النظام السوري مشاريع هدم لمجموعة واسعة من الأبنية المتضررة من قصف النظام السوري لها إبان فترة الحرب التي شهدتها مدينة حمص بين عامي 2011 و2013 مثل حي الخالدية وحي جورة الشياح. مع إصرار واضح من النظام السوري على تجاهل مطالب الأهالي بإعادة تقييم صلاحية الأبنية المتأثرة بالحرب للسكن وإبداء استعدادهم لترميمها على نفقتهم الشخصية، فيما يُعتقد بكونه ممارسات انتقامية لموقف هذه المناطق السابق من النظام. وفي حي عشيرة، لُوحظ توجه قوات النظام السوري إلى منع الأهالي من العودة إلى منازلهم بعد تهجيرهم منها عام 2012 وذلك تحت تهديد القتل والاعتقال بالتوازي مع توطين مجموعات سكانية جديدة في الحي معروفة بولائها للنظام السوري مثل عوائل بعض ضباط جيش النظام السوري. بالمقابل يعاني اللاجئون الفلسطينيون في مناطق سيطرة النظام السوري من التهميش والممارسات التمييزية حيث تم رصد إهمال النظام السوري لدعم البنية التحتية وتقديم الخدمات الضرورية كالكهرباء إلى حي اليرموك في العاصمة دمشق، الأمر الذي أصاب حركة الحي التجارية والاقتصادية في مقتل. فضلاً عن الفلتان الأمني وانتشار مجموعات السرقة “التعفيش” في حي اليرموك في ظل غياب واضح لرقابة وحماية النظام السوري. كما رصد التقرير إصدار النظام السوري لقوانين تحد من قدرة فلسطينيي سوريا على تملك العقار، وإخضاعهم لشروط تملك الأجانب. وعلى صعيد آخر، لاتزال قوات النظام السوري تمارس الإخفاء القسري لعدد كبير من فلسطينيي سوريا المعارضين لحكمه بينهم أطفال ونساء وكبار في السن.
تناول التقرير في القضية الثالثة انتهاكات مرتكبة بحق المكون الكردي في مدينتي حلب والحسكة من قبل كلٍّ من النظام السوري وبعض فصائل الجيش الوطني في المحرر.
تشكل الانتهاكات التي يتعرض لها المكون الكردي في سوريا، سواء من قبل النظام السوري أو بعض فصائل الجيش الوطني في المناطق المحررة، تهديدًا خطيرًا لحقوقهم ومكانتهم في البلاد. يتعرض هذا المكون السكاني السوري إلى الحصار والتقييدات الاقتصادية، يظهر التقرير أن النظام السوري يفرض حصارًا على بعض الأحياء الكردية ويمنع وصول المواد الأساسية إليها، مما يؤدي إلى تعريض سكان تلك المناطق للحاجة والمعاناة. بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض الإتاوات على التجار والصناعيين الكرد يعتبر تمييزًا اقتصاديًا يزيد من الضغوط على السكان المحليين ويعيق حركة الاقتصاد في المناطق المتضررة. كما يتعرض هذا المكون إلى الاعتقالات التعسفية والتهديدات الأمنية، حيث يوضح التقرير أنه تم اعتقال العديد من الأفراد الكرد بشكل تعسفي من قبل الجيش الوطني، وتم توجيه التهم لهم بشكل غير مبرر، مما ينتهك حقوقهم الأساسية ويثير القلق بشأن سلامتهم وسلامة أسرهم. ويعاني أبناء هذا المكون من ظاهرة فرض الإتاوات المالية والاستيلاء على الممتلكات والموارد الطبيعية، الأمر الذي يمثل تهديدًا للأمن الاقتصادي والاجتماعي في المناطق المتأثرة، ويسهم في تفاقم الأوضاع الاقتصادية للسكان.
يعزز هذا النوع من الانتهاكات التوترات الطائفية والسياسية في المناطق المتضررة، ويعرض استقرار البلاد للخطر. كما يتسبب القمع والاضطهاد بتعزيز الانقسامات الداخلية ويصعب بناء جسور الثقة والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوري. تتسبب هذه الانتهاكات بتفاقم الأزمة الإنسانية في المناطق المتضررة ويجعل الوضع أكثر تعقيدًا وصعوبة. وبشكل عام، فإن هذه الانتهاكات تعكس الحاجة الملحة إلى حل سياسي شامل في سوريا يضمن حقوق جميع المكونات السكانية ويعمل على تعزيز السلام والاستقرار في البلاد.
فقد لُوحظ تشديد النظام السوري الحصار على بعض الأحياء الكردية مثل الأشرفية والشيخ مقصود الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، وذلك من خلال منع وصول بعض المواد الأساسية إليهما مثل الدواء، فضلاً عن فرض إتاوات على التجار والصناعيين من أهل الحي عند عبورهم من حواجز قوات النظام السوري. في المقابل، رصد التقرير تعرض شرائح من المكون الكردي إلى الاعتقال ودفع الإتاوات المالية والحرمان المساعدات في مناطق سيطرة الجيش الوطني. حيث اعتقلت مجموعات تتبع للجيش الوطني في منطقة عفرين وريفها عدداً من المواطنين الأكراد في أوقات متفرقة بتهمة التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية تارةً وبدون توجيه تهم تارةً أخرى. كما تواصل بعض مجموعات الجيش الوطني مثل فصيل “العمشات” وفصيل “السلطان مراد” فرض إتاوات مالية على المحاصيل الزراعية والاستيلاء على ممتلكات بعض المدنيين في مناطق مختلفة مثل عفرين وبلبل والشيخ حديد. وقد تم أيضاً تسجيل استيلاء مجموعة من الجيش الوطني على مساعدات الفحم الحجري المقدمة لسكان حي رأس العين الكردي من قبل بعض المنظمات المدنية.
لقراءة التقرير كاملاً يرجى الضغط على الرابط أدناه: